مهنة الوراقة بين الهواية و الإحتراف
مقدمة :
يرجع تاريخ مهنة الوراقة إلى ما قبل التاريخ أى إلى عهد قدماء المصريين و
الممالك التى جاورتهم أو التى أتت من بعدهم ثم يمتد تاريخ الوراقة بطول التاريخ
وصولاً إلى عهد المسلمين مروراً بالإمبراطورية الرومانية ثم الإنتقال إلى شمال
المتوسط من خلال الأندلس عن طريق المسلمين و أخيراً إلى دول أوربا و الوراقة - كما
يعرفها ابن خلدون – هى عملية "الاستنساخ و التصحيح و التجليد و سائر الامور
الكتابية و الدواوين" و الوراق - كما يقول السمعانى – "هو من يكتب
المصاحف و كتب الحديث و غيرها و قد يقال لمن يبيع الورق و هو من الكاغد ببغداد
وراق أيضاً " ربما هذه أبرز التعريفات التى قيلت لتعرف الوراقة و الوراقين و
الوراقة بمصطلح العصر الحديث هى عملية النشر و التحقيق بكل ما تستتبعه من تجليد و
توزيع ... إلخ.
ربما من المعروف لدى الكثيرين أن المكتبات هى أساس تقدم الأمم و أيضاً
أسباب التدهور و الفشل فى أى أمة ليس بها مكتبات أو بمعنى أخر تدهورت أحوال
مكتباتها إلى حد يفقدها توازنها فبالتالى يترتب على ذلك فشل تلك الأمة و الأمثلة
على ذلك كثيرة و التاريخ ملئ بالقصص التى تروى لنا أساس تقدم الأمم و السر وراء
ذلك التقدم ألا و هو المكتبات و ليست الجيوش أو الكثرة العددية فى بنى البشر و
ربما يطالعنا التاريخ على بعض أخبار القدامى فنرى منهم على سبيل المثال مكتبات مثل
التى وجدت فى العصور القديمة للدولة المصرية كمكتبة رمسيس الثانى (أوسماندياس) و التى كانت تمثل
درة مكتبات العالم القديم و التى وجدت قبل مكتبة الإسكندرية بوقت طويل و قبل مكتبة
أشور بنبال فى بلاد الرافدين . و التى ما تزال أطلالها قائمة حتى الأن فى البر الغربى من مدينة الأقصر هذة
المكتبة كانت بمثابة أكاديمية تدرس بها علوم اللغة و الرياضيات و الفلك ...
إلخ ، لكن الحقيقة أن تلك المكتبة شأنها شأن
كافة المكتبات المصرية و ربما ليست المصرية فقط بل ربما شأنها شأن كافة المكتبات
التى فقدت إثر الحروب أو النزاعات و التى تأتى بطبيعة الحال سلباً على الدولة التى
تنتمى إليها . فتلك المكتبة
حقيقة أن المعلومات التى وجدت بشأنها معلومات مبعثرة متناثرة ليس لها تصاوير كامله
فى أى مصدر . ليست تلك المكتبة
فحسب بل هناك مكتبات كثيرة و ربما ما خفى كان أعظم من ذلك بكثير لكن أردت أن أورد
ذكر تلك المكتبة على سبيل التشبية لا الحصر .
تشوية التراث
وفى حقيقة الأمر أن
ما يحزن فى الموضوع هو أن نعاصر تمزيق تاريخنا و تراثنا بأيدينا و نقف مكتوفى
الأيدى أمام تلك المهازل فقد لفت إنتباهى مدى التدنى و التخلف الذى وصلت إلية دار
الكتب المصرية من إهمال للوثائق و المخطوطات حينما علمت أن تلك المخطوطات حينما
وصلت لدار الكتب وصلت عن طريق لامؤاخذة عربات كارو (عربة يجرها الحمار) و حزنت كل الحزن حينما علمت أن داخل دار الكتب غرف بأكملها ورق دشت بطبيعة
الحال هذا بخلاف الحشرات و القوارض التى تتغذى على تلك الوثائق و التى لاتجد أشهى
من تلك الوثائق طعاماً لها التى تمثل ذاكرة الأمة و تاريخها و الحقيقة أننى أقف
مذهولاً أمام تقدم و رقى الغرب و تحضرهم فى التعامل مع تلك الوثائق و المخطوطات
التى سربت بطبيعة الحال إليهم بطرق غير مشروعة و حينما نعلم أنهم يتعاملون مع تلك
الوثائق على أنها أغلى من الذهب و الماس أتمنى من داخل نفسى أن يسرب إليهم باقى ما
فى المخطوطات لدينا إليهم كى يهتمو بة و يحافظوا علية إنة حقاً لأمر مخزى على كل
من بين أيديهم السلطة فى مصر أو من يستطيعون إيقاف تلك المهازل و لا يحركون ساكناً
.
أزمة الكتب القديمة
من منا لم يشترى كتاباً قديماً أو ذهب مع أبية و عائلتة لشراء كتب قديمة أو
مع أصدقاءة لشراء كتب قديمة ؟! بالطبع حتى و لو لم نشترى كتاباً قديماً فربما ذهبت عمداً أو غير قصد إلى
معرض الكتاب أو ربما كنت فى نزهة إلى وسط البلد و ذهبت إلى سور الكتب فى الأزبكية
بالعتبة أو كنت فى رحلة إلى الإسكندرية و زرت سوق النبى دانيال لبيع الكتب القديمة
هناك بالطبع لابد وأن تكون قد تعاملت مع أحد تجار الكتب فى تلك الأماكن و ربما
أيضاً تفاجئ بالطريقة التى تعامل بها كتب من جانب هؤلاء الأناس و أيضاً الطريقة
التى تعامل أنت بها من جانبهم ليس غريباً جداً تلك المعاملة فهؤلاء الناس أو القلة
القليلة منهم ربما نطلق عليهم بمصطلح العصر هواه بيع كتب و ليسوا محترفين ، هؤلاء
الناس يجمعون الكتب بطرقهم المختلفة ليقوموا ببيعها لأكل العيش هناك فئة منهم
محترفين و هناك فئة عريضة منهم هواه ربما لا يعملون قيمة الكتب التى تقع بين
أيديهم . و الفئة الأولى
فئة من الناس الذين يعلمون جيداً قدر الكتب التى بين أيديهم حقاً و يغلب على هذة
الفئة من الناس التعامل الجيد مع المستفيدين و حسن تقديرهم و معاملتهم معاملة
أدمية تليق بطالب الكتاب و من الملف للنظر أيضاً نظم التصنيف المتبعة عند هؤﻻء الناس حيث يهتمون جداً بالشكل العام للمكتبة من حيث وضع المجلدات الضخمة
فى واجهة المكتبة لإعطائها كما يقولون واجهة أو ديكور و نظام التصنيف المتبع هنا
فى وضع الكتب على الأرفف هو نظام مقاس الكتاب حيث يتم إختيار الكتب المتناسبة فى
الطول كى توضع مع بعضها فى ترتيب للموضوع و ليس إرتجالياً و هكذا و أيضاً حينما
تنظر إلى نظام التصنيف المتبع مع تصنيف الروايات فى تلك المكتبات تجدة مرتب وفقاً
للمؤلف بالنسبة للمجموعات العربية أما بالنسبة للمجموعات الإجنبية فتجد نظام
التصنيف هنا ينحصر فى تصنيف الروايات عامة مع بعضها البعض و كتب اللغة مع بعضها
البعض و الكتب العلمية مع بعضها البعض بل إن الجدير بالذكر هنا أن الأجيال القديمة
التى تسبق عهدنا هذا بحوالى ثلاث عقود مضت أى جيل حوالى السبعينيات و الثمانينات
من القرن الماضى كانوا على قدر قليل من العلم و مع ذلك من خلال ممارسة المهنة و
التعلم و قراءة الكتب التى تقع بين أيديهم تعلموا و أدركوا و هذة حقيقة ، لكن فى الوقت
ذاتة يغلب على الفئة الثانية اللامبالاة و معاملة الكتب بأحط معاملة تذكر إلى حد
قد يصل إلى تمزيق الكتب التى بين أيديهم و بالتالى معاملة طالب الكتاب معاملة لا
تليق بة .
القرصنة الفكرية
الحديثة :
يقصد بالملكية
الفكرية : هي حق يكفله القانون لمؤلف احد المنتجات
الإبداعية و هى تكفل للمؤلف والفنان الحق في تحديد أوجه التصرف في أعمالهم فيحددون
متي وكيف تستخدم. لكن مع التقدم
التقنى فى الأجهزة و الألات و تقدم الحاسبات الإليكترونية و ماكينات الطباعة أصبح
الأن من السهل جداً أن تتم عملية القرصنة الفكرية على المؤلفين من خلال شراء نسخة
واحدة من الكتاب الجديد و تصوير ألاف النسخ منة و بيعها فى الأسواق و بالتالي أدى
ذلك سلباً على أصحاب دور النشر و بطبيعة الحال من يقوم بتلك المهمة هم فئة الهواه
من بائعى الكتب فهؤلاء مجموعة من الناس كل ما يهم لديهم هو جنى المال الكثير بأقل
مجهود من خلال تلك العملية ليست تلك العملية وليدة اليوم لكن جذورها تمتد إلى
أعماق التاريخ فمثلاً فى الدولة الإسلامية إنتشرت حوانيت الوراقين فى حواضر الدولة
الإسلامية و كانت مهنة الوراقة مهنة رائجة و كان من أهم شروط الوراق أن يكون حسن
الخط لكن هذة المهنة فى ذلك الوقت لم تخلو أيضاً من فئة الهواه بل ظلت تلك الفئة
موجودة بل و كانت تضيق أحياناً على فئة المحترفين ، لكن القرصنة هنا كانت تختلف
بعض الشئ عن أيامنا هذة ، فلم يكن كل الوراقين من الثقاة و أهل العلم و الفضل و
إنما كان من بين المحترفين منهم من يتصف بالمبالغة و الكذب و الإختلاق . فمن المعلوم أن الوراقين قد زادو فى معجم العين و أفسدوة ، كما وجدت هذة
الفئة من الوراقين مجالاً واسعاً للكسب من كتب الأسمار و الخرافات لأنها كانت
مرغوبة أيام خلفاء بنى العباس و لا سيما أيام المقتدر ، ليت الأمر يقف عند هذا
الحد من الإفتعال و تلفيق القصص و الأساطير فقد كان بعض الوراقين يكتبون الكتب و
ينسبونها إلى العلماء . فيقدم لنا بن النديم نموذجاً لذلك يتمثل فى كتاب الأغانى الكبير الذى ينسب
إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلى و الذى يحدثنا فية حماد بن إسحاق فينفى ذلك
تماماً
المصادر :
1- شعبان عبد العزيز خليفة . تاريخ الكتب و المكتبات .- الاسكندرية : دار الثقافة
العلمية ، 2008.
2- عبد الستار الحلوجى . المخطوط العربى .- القاهرة : الدار المصرية
اللبنانية .