من الملاحظ أن الرؤية تجاه مفهوم التسويق وأهميته في مجال المكتبات والمعلومات غير واضحة في أذهان كثير من المنتمين إلى هذا المجال ، حيث إن البعض ينظر إلى تسويق الخدمات على أنه نشاط هامشي لا يناسب طبيعة المؤسسات الاجتماعية بما فيها المكتبات ومراكز المعلومات بحجة أنها لا تهدف إلى الربح وأنها تقدم خدماتها في الأصل مجاناً ، وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى ترويج برامجها أو إشهار نشاطاتها كما هو الحال في المؤسسات الربحية . بيد أن هذا الاعتقاد الذي لا يزال يسيطر على أذهان البعض لم يستطع الصمود أمام تحديات العصر وما يحيط به من متغيرات ، حيث بدأت تزداد أهمية التسويق مع التوجه الحالي نحو المكتبة الإلكترونية التي أحدثت تغيراً جذرياً في بنية المكتبة التقليدية وفي مصادرها وتجهيزاتها ، مما يستدعي البحث عن أساليب جديدة لتسويق خدمات المكتبة الحديثة ، ودراسة البدائل العديدة لوصول المستفيدين إلى المعلومات.
والواقع أن التسويق MARKITING مجال واسع يشمل جميع البرامج والنشاطات التي يمكن توظيفها في إشهار الخدمات بما في ذلك النشرات والكتيبات ( المطويات ) ، والمكاتبات البريدية والبطاقات التعريفية ، والإعلانات في مختلف وسائل الإعلام ، والمقالات والتقارير السنوية ، وبطاقات الشكر ، وإلقاء المحاضرات ، والحضور الشخصي للمكتبيين في المناسبات العلمية ، وتصميم مواقع على الشبكات بما في ذلك الإنترنت ، وإقامة الندوات والمؤتمرات ، وتنظيم المعارض ، وغير ذلك من الأساليب التسويقية الأخرى. بل إن مفهوم التسويق قد يتسع في بعض الأحيان بحيث يشمل أساليب تجهيز الخدمات وتقديمها بما في ذلك عرض الكتب على الرفوف المفتوحة ، وساعات الدوام ، وطريقة تصميم المبنى ، والتجهيزات، وتدريب المستفيدين على استخدام مصادر المعلومات ، والعلاقات العامة ، وغير ذلك من البرامج التي تهدف إلى تحسين صورة المكتبة في المجتمع.
وقد بدأ الأدب المكتبي يشهد ظهور كتابات عن التسويق خلال النصف الثاني من السبعينيات الميلادية وبداية الثمانينيات ، ففي عام 1971م ظهرت مقالة تثبت أن المكتبيين بأمس الحاجة إلى تعلم طرق التنافس من خلال الأساليب التسويقية ، وفي عام 1972م قام أحد الخبراء في المجال بدراسة أساليب التسويق لترويج بعض النظم المعلوماتية مثل مصادر المعلومات التربوية ERIC ، ثم ظهر في عام 1977م بحث يتناول إمكانية تطبيق الأساليب التسويقية على خدمات المكتبات الجامعية . وبعد ذلك نشرت دراسة عام 1980م تؤكد أنه من الضرورة بمكان أن يتعلم المكتبيون واختصاصيو المعلومات أساليب التسويق ، وفي العام نفسه اقترحت إحدى الخبيرات أن يتم تضمين البرامج الدراسية للمكتبات والمعلومات مواد حول أساليب التسويق .
وإذا كان موضوع تسويق خدمات المكتبات والمعلومات قد حظي باهتمام الباحثين في العالم الغربي ، فإن العالم العربي يفتقر إلى هذا النوع من الدراسات . وقد لحظ الباحث من استقرائه للأدبيات شح النتاج الفكري المتعلق بالموضوع حيث إن ما ظهر منه إلى حيز الوجود يعد في غاية الندرة .
وفيما يتعلق بنشأة التسويق وتطوره ، فيقال إنه على الرغم من ممارسة المكتبات لمفهوم التسويق قبل أن يظهر استخدام المصطلح نفسه في المجال ، إلا أن الحاجة لم تظهر إلى تسويق خدمات المكتبات إلا مؤخراً ، وبالتحديد بعد عام 1971م . وكان فضل السبق في هذا المجال للمكتبات الأمريكية حيث استطاعت من خلال الاستعانة بالأساليب التسويقية الجيدة الحصول على تأييد معنوي ومادي من قبل المستفيدين خلال مرحلة العجز الاقتصادي التي مرت بها .
وهناك في الواقع مجموعة من الأسباب التي حفزت المكتبيين على دخول مجال التسويق وتبني برامجه ، ومنها كسب رضا الجمهور المستهدف من المستفيدين الفعليين ACTUAL USERS ، والمستفيدين المحتملين ( المتوقعين ) EXPECTED USERS . إذ يمكن عن طريق التسويق الفاعل والنشط الوصول إلى عدد أكبر من مجتمع غير المستفيدين، والتشجيع على ارتياد المكتبة ، وتأكيد دورها في خدمة البحث العلمي والمجتمع .
وإذا تجاوزنا الجانب التاريخي للتسويق إلى الجانب المعاصر ، وبخاصة ما له علاقة بالأساليب ( الوسائل أو الطرق أو الأدوات ) الحديثة لتسويق خدمات المعلومات ، لوجدنا أن هناك تفاوتاً واضحاً بين الباحثين في نظرتهم لتلك الأساليب . وقد يأخذ هذا الأسلوب التسويقي شكل الإعلانات عن هذه الخدمات سواء داخل المكتبة أو في الجرائد والمجلات المحلية والإذاعة المسموعة والمرئية أو عن طريق الاتصالات الشخصية بالمستفيدين أو الاتصالات بالهاتف أو البريد أو أي نوع من الأنشطة التي تراها المكتبة مناسبة لذلك لترويج خدماتها في محاولة منها لإرضاء المستفيدين وكسب ثقتهم . ومن بين الأدوات الأخرى التي يمكن أن يستعان بها في تسويق خدمات المكتبة نشرات الإحاطة الجارية ، وخدمات البث الانتقائي للمعلومات ، وأدلة المجموعات المكتبية (الأدوات الببليوجرافية ) ، وعرض الشرائح الفيلمية أثناء اللقاءات أو الاجتماعات . كما أن الخدمات المرجعية المتمثلة في الإجابة عن الأسئلة المطروحة من قبل المستفيدين قد تكون خير دعاية تسويقية للمكتبة.
وما دمنا بصدد الحديث عن الأساليب التسويقية في المكتبات فينبغي ألا نغفل الدور الكبير الذي يمكن أن تقوم به تقنية المعلومات في هذا السياق . إذ يمكن من خلال التقنية إدخال وتخطيط برامج تسويقية بغرض ربط المستفيد بالمكتبة ، وتلبية احتياجاته الحالية والمتوقعة . ومن ذلك على سبيل المثال الإحاطة الجارية التي تساعد المكتبة في أن تذهب إلى المستفيدين بدلاً من أن تضطرهم لارتيادها .
ومن الأساليب الأخرى ما يأتي :
ومن الأساليب الأخرى ما يأتي :
1 - نشرة المعلومات : وتعرف بالنشرة الإعلامية أو صحيفة المكتبة ، وتعد من أكثر أساليب التسويق شيوعاً وانتشاراً ، ومن الممكن إيصالها إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين ، وتحتوي على المعلومات الجديدة والأخبار والنشاطات والتقارير والإنجازات … الخ .
2 - نشرة الإضافات الجديدة : وهي تصدر بشكل دوري أو غير دوري ( غالباً ما تكون شهرية ) ، وتضم قائمة بالمواد التي وصلت حديثاً للمكتبة خلال فترة زمنية محددة ، وتحتوي على بيانات ببليوجرافية عن تلك المواد .
3 - الاتصالات الهاتفية أو الشخصية : قد يتم تقديم خدمات الإحاطة الجارية على شكل اتصال هاتفي بالباحثين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات لإعلامهم بكل ما هو جديد في المكتبة من مصادر وبرامج وخدمات ، أو على شكل زيارات شخصية يقوم بها المكتبي للأقسام العلمية بغرض توطيد العلاقة بين المستفيدين والمكتبة .
4 - لوحة الإعلانات والعرض : ويمكن توظيفها في التواصل مع المستفيدين من خلال عرض الكتب والمواد الأخرى والأخبار والتعليمات وغيرها ، وينبغي أن توضع في مكان مناسب بحيث يسهل على المستفيدين الاطلاع عليها بسهولة .
5 - تداول الدوريات : ويعد من أهم أساليب تسويق خدمات الإحاطة الجارية ، ويمكن أن يتم تداول الدورية نفسها بين الباحثين في الجامعة ، أو تداول قوائم المحتويات فقط ، ومن ثم طلب الدورية عند الحاجة أو طلب تصوير المقال المطلوب .
6 - تنظيم معارض الكتب : لتنظيم معارض الكتب والمواد الأخرى بغرض البيع أو الإعلام أهمية لا تنكر في تسويق خدمات المكتبة ، وقد تكون هذه الكتب عامة أو متخصصة ، ويفضل أن يتزامن إقامة المعرض مع مناسبات معينة ، وأن يضم أحدث ما صدر في المجال لتبرز فائدته بشكل أكثر أهمية .
ومن الأساليب التسويقية الأخرى لخدمات المكتبة الجامعية تدريب المستفيدين على كيفية استخدام المصادر والخدمات المختلفة ، إذ إن البرامج التدريبية تعد في الوقت نفسه برامج تسويقية تهدف إلى تحقيق مجموعة من النقاط الإيجابية منها إزاحة عامل الخوف والرهبة من جو المكتبة وبخاصة لدى الطلبة الجدد ، والتخفيف من حدة مشكلة البحث عن المعلومات التي أصبحت تشكل في الوقت الراهن ظاهرة مع الانفجار المعلوماتي ، كما أن أغلب المستفيدين في الوسط الأكاديمي تنقصهم الدراية الكافية باستخدام محتويات المكتبة، والتعامل مع نظمها الفنية ، علاوة على أن
الفلسفة الحديثة للمكتبة الجامعية تقوم على مبدأ المبادرة والتوجه نحو المستفيد ، والتعرف على همومه ومشكلاته .
وثمة أسلوب تسويقي آخر لا يقل أهمية عما سبق ، ويتمثل في إعداد الأدوات الببليوجرافية التي تشكل أهمية خاصة للباحثين وطلبة الدراسات العليا ، فهذه الأدوات تؤدي في الواقع وظيفة مزدوجة ؛ إذ هي خدمات معلومات وتسويق لها في آن واحد . وقد يتسع مفهوم النشاط الببليوجرافي أو يضيق بحسب إمكانات المكتبة وتجهيزاتها . وعلى أي حال فقد ازدادت أهمية هذا النوع من الخدمات مع تضخم الإنتاج الفكري ، وتعدد أشكاله وموضوعاته ولغاته ، وتعقد احتياجات المستفيدين . ولذا أصبح الباحث بأمس الحاجة إلى أدلة أو مفاتيح تيسر له الوقوف على المادة العلمية المناسبة . ويمكن أن تسهم المكتبة في الضبط الببليوجرافي من خلال توفير القوائم الببليوجرافية التي تهم الباحثين ، وإعلامهم عنها ، وتدريبهم على استخدامها .
ويمكن أن يندرج كذلك تحت المظلة التسويقية للمكتبات الأكاديمية بمفهومها الشامل خدمات التكشيف والاستخلاص ، وبخاصة في هذا العصر الذي يشهد نمواً متزايداً في مصادر المعلومات مما يصعب معه استرجاعها بالشكل التقليدي ، ولابد من الاستعانة بالحاسوب لمعالجتها فنياً ، وتحليل محتوياتها ، وتنظيمها بشكل ييسر استرجاعها بسهولة . ويمكن أن تسهم المكتبة في هذا النشاط من خلال توفير دوريات التكشيف والاستخلاص للباحثين ، وتكليف العاملين لديها بإعداد الكشافات والمستخلصات لما يتوافر بها من مواد وبخاصة الدوريات العلمية ، وتدريب الباحثين على استخدام تلك الأدوات ، والاشتراك في نظم وشبكات المعلومات التي تقدم تلك الخدمات آلياً .
وإذا كانت السطور السابقة قد رسمت الصورة المثالية لتوظيف التسويق في الخدمات فإن الوضع الراهن في دول العالم النامي بما في ذلك العالم العربي يختلف تماماً . ذلك أن فن التسويق لا يزال مهملاً أو شبه مهمل من قبل المكتبيين واختصاصي المعلومات ، ولم يلق بعد العناية التي تليق بأهميته وبمكانته في العالم المعاصر . ولعل التخفيف من حدة هذه المشكلة يكمن في الإفادة من نظريات تسويق المعلومات في مناهج علوم المكتبات والمعلومات حيث إن المنتمين إلى المهنة بشكل عام قد لا تتوافر لديهم الخبرة الكافية بأساليب وطرق التسويق. والملاحظ أن أغلبية تلك المناهج تفتقر إلى مواد لها علاقة بمهارات التسويق والتخطيط . ومن حسن التوفيق أن قسم دراسات المعلومات بكلية علوم الحاسب والمعلومات بجامعة الإمام قد راعى هذا الجانب في خطته الجديدة ، حيث ضمنّها مواد تتمحور حول التسويق واقتصاديات المعلومات ، بغية مجاراة روح العصر والتكيف مع تحدياته.